بسم الله الرحمن الرحيم
****
نكمل هذا الجزء من عقيدتهم بصفات الله عز وجل وطرحهم الشبهات تلو الشبهات تعصبا للهوى وإمعانا في الباطل .
فمن الشبهات التي يحتج بها القوم على تأيد مذهبهم ما ورد في صحيح مسلم رحمه الله حيث قال : ( حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني " ، قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين !،قال : " أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني" ، قال : يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين !،قال : " أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما عملت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني " ،قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين !،قال : " استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي " ) .
والجواب على هكذا تخبط وتهويش قد كفانا إياه الإمام القاضي عياض في كتابه [ إكمال المعلم بفوائد مسلم ] صحيفة 39 من الجزء الثامن منه ، و قد تبعه الإمام النووي في ذلك في [ المنهاج ] رحمهم الله جميعا ، فقد قال القاضي : [ وقد فسر في هذا الحديث معنى المرض ، وأن المراد به مرض العبد المخلوق ، وإضافة الباري سبحانه [ ذلك ] إلى نفسه تشريفاً للعبد ، وتقريباً له ، والعرب إذا أرادت تشريف أحد أحلته محلها ، وعبرت عنه كما تعبر عن نفسها .
وأما قوله : [ لو عدته لوجدتني عنده ] فإنه يريد ثوابي وكرامتي ، وعبر عن ذلك بوجوده على جهة التجوز والاستعارة ، وكلاهما [ سائغ ] شائع في لسان العرب ، وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى : ﴿ ووجد الله عنده ﴾ يعنى مجازاة الله تعالى ، ومثل هذا كثير ] .
قلت ( ضياء ) : وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الشبهة وأخواتها كثيرا وأشبعها بحثاً وتأصيلا ،فرد أباطيلهم بنفس أسلحتهم ، بل وجردهم منها .
يقول القاضي عياض رحمه الله في معرض رده على الشبهة نفسها : [ وقد جاء في آخر الحديث في الإطعام : [ لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ] وكذلك قال في السقي أي ثواب ذلك وجزاؤه ، وهذا تفسير : [ لوجدتني عنده ] ] .
جاء في [ جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية ] للعلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله مانصه : [ وأما ابن عربي وأمثاله من أهل وحدة الوجود، فهم ( من غُلاة الجهمية ) ، وإنما حملهم على ذلك ( المبالغة في إنكار الصفات ) ؛ وذلك أن الجهمية لما أنكروا أن يكون الله تكلم بالقرآن ، قالوا : " إن الله خلقه ، وأحدثه في بعض الأجسام ، فنسبة ذلك إلى الله مجاز ، فلزم أن يكون كلام جميع الخلق كلام الله ؛ لأنه خلق ذلك فيهم " .
ولهذا قال ابن عربي :
00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000سواء علينا نثره نظامه وكل كلام في الوجود كلامه
ومعلوم أن من خالف ما جاءت به الرسل عن الله بمجرد عقله ، ( فهو أولى بالكفر والجهل والتشبيه والتجسيم ) ممن لم يخالف ما جاءت به الرسل ، وإنما خالف ما علم بالعقل ؛ إن كان ذلك حقا ، كما قال بعض نُفَاةِ الصفات لما تأمل أحوال أصحابه ، وحال مثبتيها ، قال : ( لا ريب أن حال هؤلاء عند الله خير من حالنا ؛ فإنهم إن كانوا مصيبين نالوا الدرجات العالية ، والرضوان الأكبر ، وإن كانوا مخطئين ، فإنهم يقولون : " يا ربّ نحن صدقنا ما دل عليه كتابك وسنة رسولك ، إذ لم يتبين لنا بالكتاب والسنة نفي الصفات كما دل كلامك على إثباتها ) ".
فنحن أثبتنا ما دل عليه كلامك ، وكلام رسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن كان الحق بخلاف ذلك، فلم يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك ، ولم يكن خلاف ذلك مما يعلم ببدائه العقول ، بل إن قُدِّرَ أنه حق ، فإنما يعلمه الأفراد ، فكيف والمخالفون في ذلك يقرون بالحيرة والارتياب ] .
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في [ الجواب الكافي ] صحيفة 153 : [ والشرك الأول نوعان أحدهما شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك , كشرك فرعون إذ قال : ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ وقال تعالى مخبراً عنه أنه قال لهامان : ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً ﴾ ، والشرك والتعطيل متلازمان , فكل معطل مشرك , لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل , بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته , ولكن عطل حق التوحيد .
وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو " التعطيل " وهو ثلاثة أقسام :
- تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه .
- وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله .
- وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .
o ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون : [ ما ثم خالق ومخلوق , ولا هاهنا شيئان , بل الحق المنزه وهو عين الخلق المشبه ] .
o ومنه شرك الملاحدة القائلين : [ بقدم العالم وأبديته , وأنه لم يكن معدوما أصلا , بل لم يزل ولا يزال ] ، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضيت إيجادها , ليسمونها العقول والنفوس .
o ومن هذا شرك [ من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله ] من غلاة الجهمية والقرامطة , فلم يثبتوا اسما ولا صفة , بل جعلوا المخلوق أكمل منه , إذا كمال الذات بأسمائها وصفاتها ] .
يقول العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله في المجلد السابع من [ شرح كشف الشبهات ] صحيفة 462 : [ وطائفة ممن تكلم في التوحيد على طريقة أهل التصوف ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية ، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد ، أولئك المبتدعون الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر ، إذا حققوا القولين أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد الذين يقول عُرَافَهم : " السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية " أي نظراً إلى الأمر " ثم يرى طاعة بلا معصية " أي نظراً إلى القدر " ثم لا طاعة ولا معصية " أي نظراً إلى أن الوجود واحد ولا يفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ، مع العلم الضروري أنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس ، لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه قد يسمى كلياً مطلقاً وقدراً مشتركاً ونحو ذلك ، والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل ، ونفي مجمل ، فأثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل يقولون : " ليس كذا ليس كذا ليس كذا " ، فإذا أرادوا إثباته قالوا : " وجود مطلق بشرط النفي أو بشرط الإطلاق " ، وهم يقرون في منطقهم اليوناني" أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج " ، وأما الرسل فطريقتهم طريقة القرآن قال الله تعالى : ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ﴾ ، فليجتهد المؤمن في تحقيق العلم والإيمان وليتخذ الله هادياً ونصيراً وحاكماً وولياً فإنه نعم المولى ونعم النصير وكفى بربك هادياً ونصيراً ] .
يتبع بإذن الله تعالى